تيفلت : أحاديث فيما جرى بين مناضل افتراضي بديار المهجر و موظف منبوذ
من المثير للاستغراب أن تراهن قوى الفساد ببلادنا على خيار التشهير، الذي أضحى نهجا مألوفا لدى بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك سعيا من ذات الجهات لإسكات الأصوات الحرة بوطننا، إذ طفت على سطح الأحداث خلال السنوات الأخيرة ممارسات دخيلة على مجتمعنا وديننا الإسلامي، من قبيل تبني أشخاصا محددين بعينهم لسلوكيات تعري عن حقيقة الأزمات النفسية الحادة التي تطبع أداء فاعلين افتراضيين بالعالم الأزرق نظير إقدام الأطراف المذكورة على الخوض في حيثيات وتفاصيل مختلف الأحداث العالمية، من منطلق فهمهم المزعوم لخبايا ما يجري ويدور بالساحة الدولية، حيث تجدهم أحيانا يبسطون وجهات نظرهم بشأن العديد من القضايا وهم ممدين فوق أسرتهم التي لا يبرحونها ومسمرين أمام حواسبهم، حيث يخيل لهم أنهم مبدعون وفلاسفة زمانهم، كما أنهم نجوما سطع بريقهم على المستوى العالمي، والحال أن حقيقتهم لا تعدو أن تكون تجسيدا واقعيا لحالات مرضية شادة تستلزم ضرورة التعاطي معها بمقاربة علاجية دقيقة تخلص هاته الفئات من ساديتها وسموم حقدها وغلها، لاسيما وأن غالبيتهم يضنون أن متابعيهم الافتراضيين يشكلون قاعدة لهم بمقدورها الإسهام في تحويلهم إلى قوة اقتراحية مهمة.
إن تبني ممارسات تنطوي على المس بالحياة الخاصة للأفراد والتشهير بهم عبر الوسائط الإلكترونية، شكل خيارا لا محيد عنه لدى أحد الأشخاص القاطنين بديار المهجر، إذ أضحى هذا الأخير يبث حلقات شبه يومية يستبيح من خلالها أعراض مسؤولين كبار بالدولة، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الفاعلين والمهتمين بمسلسل الإصلاح الديمقراطي ببلادنا، بعلة أنه مدعوم من جهات نافذة ببلادنا، غير أنه سرعان ما تبين زيف ادعاءاته، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة أنه وبالنظر لنهج عدد من المثقفين لسياسة التجاهل تجاه ترهاته، لم يجد المعني بدا من التمادي في تجاوزاته، ظنا منه أنه يخاطب الناس من برج عالي بينما هم ينصتون لحركاته البهلوانية، عن طريق الضغط على زر الإعجاب والذي تعقبه عملية مشاركة فيديوهاته والتي يستعرض من خلالها أسطوانته المشروخة، مستعملا مصطلحات منحطة ودنيئة تعكس مستوى المحاضر ومدى اهتزاز بنيته النفسية، إذ أنه و رغم المساعي الحثيثة للعديد من الجهات لتثمين إرثه الافتراضي قصد الحفاظ عليه ك”تحفة” تاريخية، ظل قدره المشؤوم يلفظه من الذاكرة الجماعية المشتركة لوطننا، تاركا إياه يمني النفس برد من أحرار وحرائر مغربنا الحبيب، غير أن سياسة التركيز على الهدف المنشود ساهمت لا محالة في تأزم حالته النفسية الشادة وجعلته يندحر يوما بعد يوم.
تذكرة اللقاء الأخير للمناضل الافتراضي قبل مغادرة المشهد السياسي ببلادنا بلا عودة، شاءت الأقدار أن تكون بمدينة تيفلت مع موظف منبوذ تابع للحزب الذي يدبر الشأن المحلي والتي انتهت باستباحة أعراض نشطاء حركة حقوق الإنسان على مستوى المنطقة، قبل أن يعمد هذا الأخير لمشاركة مقطع فيديو عبر تطبيق التراسل الفوري “واتساب”، إذ سعى الشخص المذكور لكيل كل أنواع السباب والشتائم في حق الأطراف المذكورة، بحثا عن انتصار مزعوم بمبرر الدفاع عن الفئات الاجتماعية التي تعاني من الإقصاء والتهميش، متسلحا في بسط طروحاته على من يعتبرهم تابعين له والذين يقدرون حسب وصفه بالملايين، ففي بعض الأحيان تجده مرتديا لقبعة اليسار ومرة أخرى يتحدث بعباءة اليمين، علما أن حسابات ذات الجهات غالبيتها وهمية وتعود لأشخاص مرتبطين بموجة التفاعل مهما كانت طبيعتها أو مصادرها ….
واهم من يعتقد أن المراهنة على موظف منبوذ بمدينة تيفلت للتشهير بأعراض نشطاء حركة حقوق الإنسان عبر يافطة مناضل افتراضي ستخلص الحزب الذي يدبر الشأن المحلي من المساءلة القانونية حول ظروف وحيثيات تصرف سياسيين محددين في المال العام بسوء نية، إذ سيظل التركيز على الهدف المنشود خيارا لا محيد عنه ونهجا استراتيجية لدق آخر مسمار في نعش متزعم حملات التشهير بديار المهجر، قبل تسليمه تذكرة الوداع من مشهد له حماته من أحرار وحرائر ضحوا بالغالي والنفيس من أجل مغرب الحريات والكرامة والعدالة الاجتماعية.
مناضل افتراضي لا رصيد له على أرض الواقع، في ظل غياب مواقف ثابتة له أو إرث معرفي وكذا إنجاز تاريخي، هو بكل اختصار كائن لا موطن له بيننا، بل شخصية وهمية تحضرنا أثناء النوم كأسد لكن سرعا ما يتبين لنا أنه بطل من ورق، مما يجعل الحلم يرادونا حول بحث إمكانية تثمين هذا المسار والعمل من أجل تحويله إلى “تحفة” نمتلك مفاتيح قراءة ذاكرتها بكل وضوح حتى تبقى عبرة لمن يعتبر.