محمد يتيم يكتب : مقتطفات من ” في ظلال القرآن “
والله يعلم وأنتم لا تعلمون ”
مقتطفات من ” في ظلال القرآن ”
“كل إنسان -في تجاربه الخاصة -يستطيع حين يتأمل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير العميم. ولذات كثيرة كان من ورائها الشر العظيم. وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فوته؛ ثم تبين له بعد فترة أنه كان إنقاذا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في حينه. وكم من محنة تجرعها الإنسان لاهثا يكاد يتقطع لفظاعتها. ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل. ”
- {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (216)
وعلى هذا المنهج ذاته، يجري الأمر في فريضة الجهاد، التي تأتي تالية في السياق للحديث عن الإنفاق: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ؛ وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . والله يعلم وأنتم لا تعلمون ..)
إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة . ولكنها فريضة واجبة الأداء. واجبة الأداء لأن فيها خيرا كثيرا للفرد المسلم، وللجماعة المسلمة، وللبشرية كلها . وللحق والخير والصلاح.
والإسلام يحسب حساب الفطرة؛ فلا ينكر مشقة هذه الفريضة، ولا يهون من أمرها . ولا ينكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها وثقلها. فالإسلام لا يماري في الفطرة، ولا يصادمها، ولا يحرم عليها المشاعر الفطرية التي ليس إلى إنكارها من سبيل . . ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر، ويسلط عليه نورا جديدا إنه يقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق ؛ ولكن وراءه حكمة تهون مشقته ، وتسيغ مرارته ، وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير .. عندئذ يفتح للنفس البشرية نافذة جديدة تطل منها على الأمر؛ ويكشف لها عن زاوية أخرى غير التي تراه منها . نافذة تهب منها ريح رخية عندما تحيط الكروب بالنفس وتشق عليها الأمور . .
إنه من يدري فلعل وراء المكروه خيرا . ووراء المحبوب شرا . إن العليم بالغايات البعيدة ، المطلع على العواقب المستورة ، هو الذي يعلم وحده . حيث لا يعلم الناس شيئا من الحقيقة .
وعندما تنسم تلك النسمة الرخية على النفس البشرية تهون المشقة ، وتتفتح منافذ الرجاء ، ويستروح القلب في الهاجرة ، ويجنح إلى الطاعة والأداء في يقين وفي رضاء .