سعيد ناشيد يكتب : الحضارة المعاصرة أول حضارة أجابت عن سؤال ما معنى الحياة؟
قال لي صاحبي : الحضارة المعاصرة أول حضارة أجابت عن سؤال ما معنى الحياة، بعبارة لست أدري.
قلت له : لكنها أول حضارة طرحت السؤال، وهذا يكفي.
قال : الحضارة المعاصرة أول حضارة لم تسطر هدفا لوجود الإنسان.
قلت : لكنها أول حضارة جعلت سؤال الهدف ضمن النقاش العمومي، وهذا يكفي.
قال : الحضارة المعاصرة أول حضارة انتقدت نفسها باستمرار.
قلت : لكنها أول حضارة جعلت نقدها لنفسها ضمن سيرورة بنائها، وهذا يكفي.
النقد سلاح الإنسان ضد الجمود والتحجر، سلاح العقل ضد التسلط على الإنسان، حتى ولو كان هذا التسلط باسم العقل أو العلم أو التقدم. لذلك يبقى النقد الجذري الذي يطال كل شيء ولا يستثني أي شيء سر سيرورة التنوير.
كان نقد روسو للتمدّن جذريا، لكنه نجح أيضا في تجذير قيم التمدن نفسها.
كان نقد كانط للعقل جذريا لكنه نجح في المقابل في تجذير العقلانية نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة لنقد نيتشه وماركس وهيدجر وفوكو للحضارة المعاصرة.
هؤلاء الناقدون الكبار للحضارة المعاصرة سرعان ما تم استيعابهم ضمن سيرورة بناء الحضارة المعاصرة نفسها. بهذا المعنى فنحن أمام أول حضارة تراجع نفسها باستمرار.
هذا ما لا يستوعبه بعض مثقفينا الذين يجترّون النقد الغربي للغرب كنوع من التماهي أو التعويض عن عقدة النقص. وهو الفخ الكبير الذي يقع فيه الكثيرون.