رياض الفرطوسي يكتب : صبيان الرئيس
إن الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو رؤيتي للعديد من صبيان الساسة والرؤساء وكيفية تعاملهم وسلوكهم الذي سنتطرق له ‘ وهو امر معيب ومشين . انني اجد انهم يثيرون الشفقة والاشمئزاز والسخرية. تستخدم كلمة صبيان للإشارة إلى الأولاد أو الشباب الذين لم يبلغوا سن الرجولة بعد . يمكن ان يكونوا في مرحلة المراهقة حتى وان بدأ على بعضهم انهم كبار في السن بسبب البدلات الانيقة والثمينة وربطات العنق ‘ والتظاهر بالثقة بالنفس. ولاننا في زمن مختلف حيث ظهرت تشوهات غير متوقعة في المجتمع وانهارت القيم الاصيلة وجاءت قيم اخرى بديلة من دون اي تسلسل منطقي وفي مرحلة من هذا النوع تكثر التصدعات والتشوهات النفسية والاخلاقية والتربوية وخاصة لمن وجد نفسه بالواجهة ( حيث الاضواء والسلطة والامتيازات ) فتركزت النرجسية عند الكبار فضلا عن الصغار بشكل مفرط ومبالغ فيه خاصة في مجتمع مغلق بلا مؤسسات استراتيجية او تخطيط علمي .ان البعض من هؤلاء وصل الى مراكز مهمة وحساسة من دون اي جهد او كفاءة فكرية او ثقافية الامر الذي ساعد في ازدهار شخصيات وضيعة ومزيفة على مستوى المشاعر والاداء . لكن صبيان الرئيس لهم صفات مختلفة لاتتوفر في شخصيات اخرى فهم يجمعون بين السادية والنرجسية والسيكوباتية.قد تستغرب للوهلة الاولى عن مصدر ومشاعر الانتفاخ والعظمة التي يتمتعون بها ‘ فهم عبارة عن شخصيات سطحية تطرب للاطراء والاعجاب والمجاملات والكذب والنفاق‘ وضيعة ومتغطرسة ودونية ومتشددة . واثقون من انفسهم اشد الثقة ‘ بسبب ما يمتلكون من مشاعر مزيفة وعقول محشوة بالهباء والتفاهة. مصابون بحالة من الاستعراض الدائم لاشباع ما لا يمكن اشباعه حتى يثبتوا ذاتا مهلهلة ومتناقضة. وكل هذه المشاعر هي محاولة بائسة لتعويض النقص الداخلي والكراهية والحسد والحقد التي تشكلت نتيجة عوامل مختلفة . تجد ان يومياتهم محكومة بالتلاعب بمشاعر الاخرين لم يتركوا شيئا من صفات الشيطان الا ومارسوها يعبثون مع الجميع بلغة القنص والافتراس ولعبة الخسارة والربح. سلوكهم على الدوام تمثيل في تمثيل. الشكل الخارجي يوحي بأنهم بشر لكن سلوكهم سلوك زواحف حيوانية من حيث طرق الافتراس والنهش والصيد والتربص . هؤلاء يعيشون محرقة نفسية سرية على دوم الساعة. المصيبة ان هذه الظاهرة كانت فردية واصبحت بعد ذلك جماعية وتفشت في معظم مرافق الدولة ومؤسساتها ( اذا افترضنا ان ثمة مؤسسات حقيقية طبعا ). يعتقد الصبيان من خلال قناعات راسخة بتفوقهم العلمي والفكري والعشائري والقبلي والقومي ‘ هذا التناقض نفسه هو من اوصل نظام البعث المقبور الى حافة الهاوية والذي جعل الامور تنحدر للجحيم ثم الكارثة . وبما انهم وسطاء بين الرئيس وضيوفه يحرصون اشد الحرص على ان لا يردوا عن استفساراتك او تساؤلاتك او اتصالاتك او موعد مقابلتك لسيادته الا في الساعات الاخيرة حتى لو كنت في اخر الارض كنوع من الاستخفاف والتعالي وعدم المبالاة بشأنك. المهم هو عندما يتم استدعائك لمقابلة الرئيس سوف يقوم الصبيان وخاصة عندما يعرفون انك من ارباب الادب والثقافة والفكر ‘ بجملة من الممارسات منها انتزاع هاتفك المحمول والشخصي مخافة ان يتسرب اي حوار او كلمة . ينبهونك قبل اللقاء ان سيادته ليس له وقت كثير للاخذ والرد( معك ربع ساعة فقط ). تبقى تنتظر في غرفة مدير مكتب الصبيان والكل يحدق بك كمتهم. وهي طريقة عزل نفسية وسياسية مبكرة. لقد منحنا الصبيان عناصر جديدة للحكاية والسرد والكتابة الا وهي موت الضمير والضحالة الاخلاقية. قد يتساءل البعض هل نحن امام وقائع حقيقية او فصل من رواية العراب حيث نفس الفضاءات والاجواء ‘ خدم وحشم ‘ وعلاقات واعلام ونساء وسياسة ومال وغرف مغلقة لاجتماعات سرية وصفقات وعمولات ومجموعات محددة تحتكر الوظائف والسلطة والمناصب كما هي الحال في زمن النظام المباد ‘ حثالات وارباب سوابق وحواشي وفاشونيستات ( صاحبات الرايات الحمراء ) وصبيان من اجل السيطرة والتحكم المالي والاعلامي والسياسي وكل هذه الامور ليست منعزلة عن بعضها بعضا كما تكشف لنا التفاصيل التي نسمعها ونراها كل يوم امامنا. صبيان الرئيس لا يعملون في الفراغ تجدهم حيث يوجد المال والمنافع تربطهم علاقات قوية مع رجال الدين واصحاب الشركات والمصارف والنواب والساسة لكنهم تافهون لا يثيرون الا القرف والاحتقار والإشمئزاز وهي صورة مجسمة لمرحلة ملتبسة وخطيرة ‘ مرحلة تفسخ القيم وانقلاب الادوار وكل تلك الامور مقدمات الى انهيار وشيك كما حدث الامر في فترات تاريخية سابقة .