رياض الفرطوسي يكتب : الحوار السياسي بين أزمة النخب و نخب الأزمة
من المؤكد أن الكثير من النخب السياسية لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون أو يترجمون القراءة وفق قدراتهم المحدودة ينظرون للعطب من منظار معطوب لذلك اصبحت الثقافة السياسية لدينا لا تصلح للحوار وهي تعكس ازمة عقل ورؤية . لكل حوار سياسي او ثقافي او معرفي قواعد واصول وهندسة تدركها العقول الواعية ( خارج اي اطار او شكل مؤدلج ومنمط ). تلك العقليات الرثة لا يمكن لها البتة ان تبني مجتمعا او نظاما وطنيا لانها شخصيات ذات بعد واحد تتمتع بالغرور لا يمكنها ان تخلق حوارا معرفيا مبني على اسس معرفية لذلك فشلنا في ايجاد حوار وطني يرتقي لمستوى المسؤولية . لذلك يحكم عليها المتلقي بالفشل والاندحار لان العقول المتحاورة من نسق واحد وهو نسق متخلف . ان الحوار اليوم لم يعد كما كان سابقا حوارا بين محترفين ومتخصصين بغض النظر عن التوجه السياسي والافكار المختلفة . هناك اخلاقيات وتقاليد رصينة في طبيعة وشكل الحوار ‘ سواء كان سياسيا ام ثقافيا ام فكريا . نادرا ما اسمع ان ازمة الحوار السياسي بين ( من يطلقون عليهم النخب السياسية ) هي ازمة متجذرة وقديمة وذات بعد تاريخي وهي ليست وليدة المرحلة الراهنة بل انها ازمة عميقة يعود تاريخها لاكثر من اربعة عقود . وهي ازمة عقل و وعي وثقافة ومنهج وسلوك منذ ايام المعارضة العراقية واستمرت تأخذ اطارا دائريا بشكل تكراري . تمأسست هذه الازمات بعد سقوط الطاغية وتمظهرت بصراعات سياسية وادارية وخلافات لكن عمقها الحقيقي هو ثقافي وفكري ‘ يتعلق بطبيعة الذهنية ورسوخ المفاهيم الصلبة والجامدة والانقلاق والتمحور حول الذات . بما في ذلك الشكل والمظاهر والنفوذ وتفضيلها على الحقائق والمعرفة والتغيير والنقد والاختلاف والبساطة والعفوية والمصلحة العامة . تلك العقليات الراسخة بالعناد والتشدد تمضي وتندفع دائما بأتجاه واحد وتلغي كل الاتجاهات الاخرى وتفسر الامور تفسيرا سياسيا وتهرب الى الامام في مواجهة كل ما يعترضنا من ازمات ودائما ما تبحث عن تبريرات وشماعة ليتم وضع الاخفاقات عليها وهو كنوع من انواع تبرئة الذات لتظهر بمظهر النصاعة والبياض وخلق عدو مفترض من اجل التوازن النفسي والهيبة . كيف لك ان تعالج ازماتك السياسية وانت لم تعالج اشكالية علاقتك مع الجمهور والشارع ‘ لتكتشف حجم الشرخ والمسافات الشاسعة بينهما . يقول الكاتب الانجليزي روبرت براونينغ لابد ان ننتبه الى حافات الاشياء الخطرة هل انتبه الساسة قبل حوارهم السياسي في كل حقبة الى حجم التصدعات التي يعاني منها المجتمع على مستوى نفسي واخلاقي وتربوي تلك الاعطاب التي تختبىء خلفها احداثا عاصفة قبل ان يكشف الغطاء عنها. لا توجد خطط عملية واستراتيجيات ونظريات لصناعة مستقبل يعيد للناس الثقة والامل بوصفه نوعا من الطوارىء او المخارج العملية . بعض القيادات السياسية اعترفت بأخفاقاتها فيما بينها او بطريقة ادارتها للسلطة . لكن الاعتراف بالازمة شيء وفهم الازمة شيء اخر . فهم الازمة يعني تحديد طبيعتها ‘ عمقها ‘ جذورها ‘ عطبها ‘ غياب التحديث السياسي والمراجعة والكشف عن الاخطاء ورفع النقاب عن المسكوت عنه . قطعا لا يمكن معالجة الازمة بنفس ادواتها بمعنى ان صانع الازمة لا يمكن ان يكون سببا في حلها . عاشت النخبة السياسية حالة من الصراع الطويل مع نظام البعث لكنها بنفس الوقت كانت تعاني من صراعات مع بعضها بعضا كما لو ان صراعها مع الطاغية قد تسلل لها ايضا حيث ان الوجه الحقيقي لهذه الصراعات هي السلطة وليس البحث عن عدالة اجتماعية ولهذا نشاهد ثمة اغترابا واضحا قد حصل بين الجمهور وبين الساسة على مستوى النصوص والخطابات ‘ الامر الذي جعل النخبة السياسية لا تستطيع ان تتحمل اي حوار صريح وواضح تتعدد فيه الافكار والرؤى والقناعات ووجهات النظر . علما ان الثقافة السياسية الواعية هي نتاج حوارات هادئة وشفافة تتأتى من تراكمات الاختلافات من دون اي تحيز مسبق او افكارا جاهزة .