المفكر المغربي سعيد ناشيد يكتب : فن تكسير الملل ( 2 )
تكسير الملل مثل تكسير قشرة الجوز، في غياب المهارة قد يتحطم كل شيء. التكسير السيئ للملل معناه قرارات سيئة في الحياة، مثل الإدمان، القمار، المخاطرة المجانية، العلاقات السامة، إلخ. بل هناك ما هو أشد سوءا، و يا للهول! يكفي أن نسأل غوغل عن “الجريمة بدافع الملل”، حتى نقرأ الأهوال.
في عام 2013 أقدم ثلاثة مراهقين أمريكيين في ولاية أوكلاهوما على قتل عابر سبيل، ولاذوا بالفرار قبل القبض عليهم لاحقا، ليعترفوا بأن دافعهم إلى الجريمة هو الملل. لقد فضلوا المأساة عن الملل، تماما مثلما فعل السيد ميرسو في رواية الغريب، لألبير كامو، حين قتل شخصا لا يعرفه، ولا يعرف لماذا قتله؟ فلم يجد ما يقوله في المحكمة غير الصمت. لعلها أول جريمة بدافع الملل في تاريخ الأدب العالمي، إلا أن التعبير لم يكن متاحا وقتها.
في عام 2015 حكم على الممرض الألماني نيلز هوغل بالسجن المؤبد بتهمة قتل عشرات المرضى في قضية هزت الرأي العام. أثناء المحاكمة اعترف “ملاك الرحمة” بأنه كان يحقن ضحاياه بجرعات كبيرة من الأدوية ليوصلهم إلى حافة الموت، ثم يظهر لنفسه القدرة على إنعاشهم مجددا، وذلك كله بدافع الملل كما قال. وهو القول الذي لم تنفه التحقيقات.
في عام 2021 قتل شاب تركي مهندسة معمارية تدعى باشاك جنكيز في مدينة إسطنبول، بسيف ساموراي، قبل أن يقر في كل مراحل التحقيق بأنه لا يعرفها، لكنه نزل إلى الشارع لكي يقتل عشوائيا أي شخص يراه، بدافع الملل كما قال. وهو القول الذي لم تنفه التحقيقات.
أولئك كلهم، وآخرون مثلهم، فضلوا العيش في المأساة على العيش في الملل. أهوالهم اليوم كثيرة ومثيرة. لكن يخطئ من يظن بأن جرائم الملل ظاهرة جديدة تعكس “انحراف” الحضارة المعاصرة! وهو الظن الذي يستهوي الكثيرين.
الظاهرة ليست جديدة، لكن الجديد هذه المرة هو اكتشاف إمكانية التعبير عنها، إمكانية قولها، ولقد كانت سابقا تُطمس تحت يافطة الجنون أو المجون.
و لا ننس هذا:
الإنسان هو الكائن الذي إذا لم يجد شيئا يفعله فقد يفعل أي شيء!!