عبد الله بوصوف يكتب : انتصار بيدرو سانشيز للمقاربة الواقعية حمل إسبانيا للعالمية
عندما قرر النظام العسكري الجزائري عدم تجديد الاتفاق الخاص بأنبوب الغاز “المغرب ـ أوروبا ” MEG لإسبانيا عبر المغرب في شهر أكتوبر من سنة2021 .
فقد كان يهدف بهذا القرار الأحادي إلى خلق أزمة اقتصادية واجتماعية للمغرب وعزله سياسيا عن اسبانيا وأوروبا، وفي نفس الوقت فقد تعهد لمدريد بالوفاء بكل التزاماته الطاقية عبر أنبوب ” ميدغاز ” الرابط بين ألميريا الاسبانية والجزائر…مستغلا تداعيات أزمة دخول زعيم البوليساريو غالي/ الرخيص إلى اسبانيا بجواز سفر مزور في يونيو من سنة 2021، وما تلى ذلك من قطيعة ديبلوماسية بين المغرب و إسبانيا، و إجراءات اقتصادية كتعليق حركة تحرك المسافرين عبر الحدود البحرية و المعابر البرية و غير ذلك…
و هنا ستبرز الشخصية السياسية لرئيس الحكومة الاسبانية ” بيدرو سانشيز ”، الذي انتصر لروابط تاريخية و ثقافية واجتماعية واقتصادية مشتركة بين المملكتين تعود لقرون عديدة…و ذلك بإجراءه لتعديل وزاري في شهر يوليوز من سنة 2021 حيث ستغادر ” غونزاليس يالا ” وزارة الخارجية الاسبانية بإعتبارها مسؤولة عن دخول زعيم الانفصاليين بهوية مزورة..و قد كان هذا التعديل بمثابة عربون حسن نوايا الحكومة الاسبانية، ومدى تمسكها بالعلاقات مع جارها التاريخي و شريكها الاستراتيجي المغرب…
لكن اعتراف حكومة الاستراكي “سانشيز ” بأن مقترح الحكم الذاتي هو الأكثر جدية وواقعية… في مارس من سنة 2022 سيشكل زلزالًا قويا سيتسبب في هدم القصور الرملية الجزائرية في قضية الصحراء المغربية.
كما سيمثل منعطفا سياسيا خطيرا خاصة وأن هــذا الاعتراف، صادر عن الدولة المستعمِرة السابقة للصحراء المغربية، وتتوفر بذلك على أرشيف الاحداث وخرائط المنطقة…وهذا ما تسبب في ” جلطة سياسية ” للنظام العسكري الجزائري الذي لم تنفعه تهديداته بقطع امدادات الغاز عن اسبانيا وأوروبا في زمن الحرب الأوكرانية…
كما حاول تحريك عملاءه داخل اسبانيا بالدوائر الحزبية والإعلامية وبعض الجمعيات المنتفعة من هِبات سونطراك…لكن دون جدوى حيث سيتم إعلان ” البيان المشترك ” بين المغرب وإسبانيا في السابع من شهر ابريل 2022، ليكون بذلك إعلانا عن بداية جديدة لعلاقة قديمة قِــدَم التاريخ المشترك…
وقد لعبت الواقعية السياسية التي يتحلى بها رئيس الحكومة الاسبانية ” بيدرو سانشيز” دورا كبيرا في إخراج اسبانيا ليس من أزمتها مع المغرب فحسب، بل في أكثر من ملف ساخن …ويكفي أن نتوقف قليلا عند محطة حكومة ” ماريانو راخوي ” بين سنوات 2011-2018 لنقف عند حالة عزلة سياسية وانغلاق عن الخارج عاشتها اسبانيا خاصة بعد الاحداث الإرهابية التي عرفتها دول مجاورة لها، وكذا أزمة كاطلونيا ومسلسل المحاكمات…
هذا بالإضافة الى اشتغال حكومة سانشيز على ملفات اجتماعية واقتصادية كبيرة كالرفع من الحد الأدنى للأجور وتخطيه لأزمة كورونــا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية…وهو ما ساهم في رفع أسهمه السياسية وقوت من موقفه أمام الناخب الاسباني…
لكنه من الواجب التذكير ببعض الأحداث الدّالـة على دور الواقعية السياسية ” لسانشيز ” في إخراج اسبانيا من عزلتها السياسية، كانت إحداها هي تعيين وزير خارجيته السابق ” جوزيف بوريل ” كممثل أعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في فاتح دجنبر من سنة 2019. وكذلك عبر تبني حكومة سانشيز “لاستراتيجية العمل الخارجي 2021/2024 “…
ليس هذا فحسب فقد نجح في إعادة نسج العلاقات الأوروبية مع دول أمريكا اللاتينية.
كما أن مساندته ” كييف ” في حربها مع روسيا وتبنيـه لكل إجراءات الحلف الأطلسي…قد عبّـدَت له الطريق لاحتضان ” قمة الناتو ” بمدينة مدريد في شهر يونيو 2022 …
” سانشيز ” لم يقف عند هذا الحد ، بل إن علاقاته مع ألمانيا تطورت لمستوى غير مسبوق لدرجة دعوته من طرف ” أولاف شولز ” في غشت 2022 لحضور أشغال مجلس الحكومة الفيدرالية الألمانية…كما عُقدت قمة إسبانية/ألمانية بمدينة لاكورونيا الاسبانية في شهر أكتوبر 2022 حيث تم توقيع برنامج عمل بين البلدين.
وهو التقارب الذي أثار حفيظة الرئيس الفرنسي ” ايمانويل ماكرون ” الذي رفض اثناء أشغال المؤتمر الاورومتوسطي بمدينة أليكانتي الاسبانية في دجنبر 2022 ـ رفض ـ مشروع Medcat و الرابط بين البرتغال واسبانيا و فرنسا و المانيا ويتم تعويضه بمشروع H2Med …لكن ” ماكرون ” سيطير يوم 19 يناير 2023 في اتجاه مدينة برشلونة من أجل لقاء ” سانشيز ” لتوقيع إتفاق صداقة و شراكة و تعاون في مجالات نوعية كالهجرة و الطاقة و الدفاع…مع التنبيه الى رمزية اختيار حكومة سانشيز لمدينة برشلونة لتوقيع معاهدة دولية مهمة مع فرنسا، تتجاوز بها أزمات كطلونيا السابقة…
لكل هـذا، فإعتراف الدولة الاسبانية بمقترح الحكم الذاتي في ملف الصحراء المغربية..في مارس 2022 لم يكن ” حادثة سياسية ” ، بل كان تبنيها لمقاربة سياسية واقعية وتاريخية في إطار القانون الدولي و مقررات مجلس الأمن الدولي…وانتصار اسبانيا للتاريخ و الجغرافيا في ملف الوحدة الوطنية و الترابية المغربية…
كما خرجت من جهة أخرى، منتصرة في معركة كسر العظام مع النظام الجزائري حيث حلت الولايات المتحدة الأمريكية محل سوناطراك في التزويد بالغاز الطبيعي..اكثر من هذا فتوفـر اسبانيا على حوالي ستة 6 محطات لتخزين و تحويل الغاز الطبيعي بموانئها أهلها أن تصبح مركزا لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بنسبة 30% من احتياجاتها…
و في الوقت الذي ارتفعت فيه أرقام المهاجرين الغير النظاميين الى أوروبا انطلاقا من وسط و شرق البحر المتوسط..فقد تراجعت الأرقام بنسبة 30% في سنة 2022 مقارنة مع سنة 2021 بين المغرب واسبانيا حسب وكالة فرونطيكس…
كما سيتم التوقيع على حوالي 20 إتفاقية تعاون في العديد من المجالات أثناء اشغال اللجنة العليا المشتركة المغربية /الاسبانية المنعقدة بالرباط يومي 1 و2 فبراير 2023 …أكثر من هذا فقد صوت نواب الحزب الاشتراكي الاسباني بالبرلمان الأوروبي يوم 19 يناير 2023 ضد ” توصية جاهزة ”، كان هدفها هو تشويه صورة المغرب بالخارج…
و بنفس مقاربة السياسة الواقعية والسلم المجتمعي و تراكمات حسنات السياسة الخارجية لحكومة سانشيز..سيدخل امتحان الانتخابات البلدية في شهر ماي…ليتسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي في شهر يوليوز 2023 في انتظار تشريعيات دجنبر من نفس السنة..