عادل الزبيري يكتب : و انتصرت التفاهة على الصحافة.. و بالضربة القاضية
لن أنسى طيلة حياتي للاعبي المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، وللمدرب وليد الركراكي، أنهما كانا سببا في إدخال السعادة، مثل فيضان جارف، إلى قلبي وروحي، في ملحمة انتصارات نهائيات كأس العالم في قطر 2022.
استعملت سابقا، في سياق تتبعي للحقل الصحافي، بخلفية خريج مؤسسة عمومية للتكوين الجامعي في الإعلام وفي الاتصال وفي الصحافة، اسمها المعهد العالي للإعلام والاتصال، مصطلح “الكهربائيين”، لتوصيف الدخلاء الجدد على مهنة الصحافة، من دون حاجة إلى المرور عبر وزارة الاتصال، للحصول على بطاقة الصحافة، ومن دون المرور عبر أي مسار تكويني في الإعلام أو في أي مجال معرفي آخر، يساعد دارسه على محاربة الأمية المعرفية والصحافية.
يجب أن نعترف بكل شجاعة أن الصحافة تقف على أبواب الانقراض، وأن الصحافيين المهنيين كائنات مهددة بالانقراض عمليا ومهنيا، إذا لم تتحرك الإرادات لوقف هذا الواقع المرير الذي يتعايش معه بمرارة، أشد مرارة من العلقم، آخر الصحافيين المهنيين.
فما الذي تعنيه الصحافة اليوم في المغرب؟
يحمل مصور كاميرا، يتجول في السويقة، في العاصمة المغربية الرباط، على سبيل المثال، يحمل قطعة اسفنج ملونة، تغطي بوقا، يسأل الناس عن كل شيء وعن لا شيء؛ يبحث عن كل شيء أو عن أي شيء، يمكن أن يصنع به BUZZ؛ أي يخلق الفراجة، عبر المعيب من الكلام، والنطق الغلط، أو البحث عن المعتوهين لتحويلهم إلى أيقونات.
حملت مواقع التواصل الاجتماعي، عن سبق إصرار وترصد، إلى الصحافة، أسوأ الأشياء التي تنسف مهنة جميلة، اسمها الصحافة، قامت على نشر الأخبار الصحيحة، وعلى التدقيق في الأخبار، وعلى القواعد المهنية، وعلى الهرم المقلوب، فجاء المؤثرون والكهربائيون، المغول الجدد، بمهمة إبادة الصحافة المهنية.
نجح الكهربائيون في توجيه المدفعية الثقيلة لضرب كل شيء، لتوجيه لكمة قاضية لما تبقى من بطارية القيم المغربية، وفي نسف كل أسس نماذج النجاح، وفي تقديم لكل معيب على أنه النموذج الفي في النجاح.
ففي كل التجارب المقارنة في الجوار الأوروبي المتوسطي، تبين وجود صحافة مهنية، تواجدت تاريخيا وانتقلت لاستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كمنصات جديدة لعرض المنتوج الإعلامي المهني الصحافي.
هذا الجيش العرمرم من الكهربائيين، يناصرهم الأفاقون الجدد أي صناع المحتوى والمؤثرين، يدوسون كل شيء تحت أقدامهم، يضربون القيم، يحاربون النجاح، ويمجدون الفشل، وينشرون الأخبار الكاذبة، ويبخسون المجهود.
ولما ظهرت مَنصات مواقع التواصل الاجتماعي، سارع المهرولون للحديث عن الإعلام الجديد، أعلنت كُفري ورفضي لهذا المفهوم الجديد، لأنه يبيع الوهم فقط، لأن الصحافي هو صحافي يشتغل في الورقي والاذاعي والتلفزيوني وفي منصات التواصل الاجتماعي.
لا يزال النقاش العمومي في المغرب، يتحدث عن تطبيق الاتفاقية الجماعية، بينما استمرار الصحافي المهني أمسى مهددا.
يجب أن نعترف بكل شجاعة، أن الكهربائيين، مدعومين بجيش عرمرم من الطفيلين، من يقدمون أنفسهم تحت اسم صناع المحتوى، وتحت اسم المؤثرين، في تنفيذ سرقة القرن في المغرب، ضد الصحافة المهنية المغربية.
لن تنسى شوارع المدن المغربية، ليالي الفرح الهيستيري الجماعي، بفضل لاعبين قدموا كل شيء، ليعرف العالم أن المغرب أمة عاشقة لكرة القدم، ولكن البؤساء من الكهربائيين ومن صناع المحتوى ومن المؤثرين لهم خطة لتدمير الصورة الجميلة لنجوم أسود الأطلس، فهل من مجال لتحرك مغربي يحمي اللاعبين ويحمي الصحافة المهنية؟؟؟